فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي:

قوله تعالى: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشيطان} أي: زيّن لهما الشيطان {لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءاتِهِمَا} يعني: أراد إبليس لعنه الله بالوسوسة ليظهر ما سترا من عوراتهما، والسوأة كناية عن العورة.
وذلك أن إبليس لما رأى محسوده في الجنة ورأى نفسه طريدًا لم يصبر، واحتال لإخراجهما فأتاهما {وَقَالَ مَا نهاكما رَبُّكُمَا عَنْ هذه الشجرة إِلا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ} يعني: أنكما لو أكلتما تصيران كالملكين تموتان أبدًا أو تكونا كالملائكة وتعلمان الخير والشر.
{أَوْ تَكُونَا مِنَ الخالدين} يعني: إن لم تكونا مَلَكَيْنِ فتكونا من الخالدين لا تموتان.
وقرأ بعضهم مَلِكَيْنِ بالكسر كما قال: في آية أُخرى {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشيطان قَالَ يا أدم هَلْ أَدُلُّكَ على شَجَرَةِ الخلد وَمُلْكٍ لاَّ يبلى} [طه: 120] وهي قراءة يحيى بن كثير وهي قراءة شاذة. اهـ.

.قال الثعلبي:

{فَوَسْوَسَ} يعني إليهما ومعناه فحدث إليهما {الشيطان لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا} يعني ليظهر لهما ما غطى وستر عنهما من عوراتهما، وقال وهب: كان عليهما نور لا يرى سوءاتهما ثمّ بين الوسوسة {وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا} يا آدم وحواء {رَبُّكُمَا عَنْ هذه الشجرة إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ} يعني إلاّ أن تكونا وكراهيّة أن يكونا من الملائكة يعملان الخير والشر.
وقرأ ابن عباس والضحاك ويحيى بن أبي معين: ملكين بكسر اللام من الملك أخذوها من قوله: {هَلْ أَدُلُّكَ على شَجَرَةِ الخلد وَمُلْكٍ لاَّ يبلى} [طه: 120].
{أَوْ تَكُونَا مِنَ الخالدين} من الباقين الذين لا يموتون. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الْشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا...}
أما الوسوسة فهي إخفاء الصوت بالدعاء، يقال وسوس له إذا أوهمه النصيحة، ووسوس إليه إذا ألقى إليه المعنى، وفي ذلك قول رؤبة بن العجاج:
وسوس يدعو مخلصًا رب الفلق ** سرًا وقد أوّن تأوين العقق

فإن قيل: فكيف وسوس لهما وهما في الجنة وهو خارج عنها؟ فعنه ثلاثة أجوبة هي أقاويل اختلف فيها أهل التأويل:
أحدها: أنه وسوس إليها وهما في الجنة في السماء، وهو في الأرض، فوصلت وسوسته بالقوة التي خلقها الله له إلى السماء ثم الجنة، قاله الحسن.
والثاني: أنه كان في السماء وكانا يخرجان إليه فيلقاهما هناك.
والثالث: أنه خاطبهما من باب الجنة وهما فيها.
{... وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الْشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ}
وهذا هو الذي ألقى به من الوسوسة إليهما استغواءً لهما بالترغيب في فضل المنزلة ونعيم الخلود.
فإن قيل: هل تصورا ذلك مع كمال معرفتهما؟
قيل: إنما كملت معرفتهما بالله تعالى لا بأحكامه.
وفي قول إبليس ذلك قولان:
أحدهما: أنه أوهمهما أن ذلك في حكم الله جائز أن يقلب صورتهما إلى صور الملائكة وأن يخلدهما في الجنة.
والثاني: أنه أوهمهما أنهما يصيران بمنزلة الملائكة في علو المنزلة مع علمهما بأن قلب الصور لا يجوز. اهـ.

.قال ابن عطية:

{فَوَسْوَسَ لَهُمَا الْشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا...}
الوسوسة الحديث في اختفاء همسًا وسرارًا من الصوت، والوسواس صوت الحلي فشبه الهمس به، وسمي إلقاء الشيطان في نفس ابن آدم وسوسة إذ هي أبلغ السرار وأخفاه، هذا حال الشيطان معناه الآن، وأما مع أدم فممكن أن تكون وسوسة إذ هي أبلغ السرار وأخفاه، هذا حال الشيطان معنا الآن، وأما مع آدم فممكن أن تكون وسوسة بمجاورة خفية أو بإلقاء في نفس، ومن ذلك قول رؤبة: [الرجز]
وسوس يدعو جاهرًا رب الفلق

فهذه عبارة عن كلام خفي، و{الشيطان} يراد به إبليس نفسه، واختلف نقلة القصص في صورة وسوسته فروي أنه كان يدخل إلى الجنة في فم الحية مستخفيًا بزعمه فيتمكن من الوسوسة، وروي أن آدم وحواء كانا يخرجان خارج الجنة فيتمكن إبليس منهما، وروي أن الله أقدره على الإلقاء في أنفسهما فأغواهما وهو في الأرض.
قال القاضي أبومحمد: وهذا قول ضعيف يرده لفظ القرآن، واللام في قوله: {ليبدي} هي على قول كثير من المؤلفين لام الصيرورة والعاقبة، وهذا بحسب آدم وحواء وبحسب إبليس في هذه العقوبة المخصوصة لأنه لم يكن له علم بها فيقصدها.
قال القاضي أبو محمد: ويمكن أن تكون لام كي على بابها بحسب قصد إبليس إلى حط مرتبتهما وإلقائهما في العقوبة غير مخصصة، و{ما ووري} معناه ماستر، من قولك وارى يواري إذ ستر، وظاهر هذا اللفظ أنها مفاعلة من واحد، ويمكن أن تقدر من اثنين لأن الشيء الذي يوارى هو أيضًا من جهة، وقرأ ابن وثاب {ما وري} بواو واحدة، وقال قوم: إن هذه اللفظة في هذه الآية مأخوذة من وراء.
قال القاضي أبو محمد: وهو قول يوهنه التصريف، والسوأة الفرج والدبر، ويشبه أن يسمى بذلك لأن منظره يسوء، وقرأ الحسن ومجاهد من {سوّتهما} بالإفراد وتسهيل الهمزة وشد الواو، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع وشيبة بن نصاح والحسن والزهري: {سوّتهما} بالإفراد وتسهيل الهمزة وتشديد الواو وحكاها سيبويه لغة، قال أبو الفتح: ووجهها حذف الهمزة وإلقاء حركتها على الواو، فيقولون سوة ومنهم من يشدد الواو، وقالت طائفة إن هذه العبارة إنما قصد بها أنهما كشفت لهما معانيهما وما يسوءهما ولم يقصد بها العورة.
قال القاضي أبو محمد: وهذا قول كان اللفظ يحتمله إلا أن ذكر خصف الورق يرده إلا أن يقدر الضمير في {عليهما} [الآية: 22] عائدًا على بدنيهما إذا تمزقت عنهما ثياب الجنة، فيصح القول المذكور.
وقوله تعالى: {وقال ما نهاكما} الآية هذا القول الذي حكي عن إبليس يدخله من هذا التأويل ما دخل الوسوسة، فممكن أن يقول هذا مخاطبة وحوارًا، وممكن أن يقول إلقاء في النفس ووحيًا و{إلا أن} تقديره عند سيبويه والبصريين إلا كراهية أن، وتقديره عند الكوفيين إلا أن لا على إضمار لا.
قال القاضي أبو محمد: ويرجح قول البصريين أن إضمار الأسماء أحسن من إضماء الحروف، وقرأ جمهور الناس {ملَكين} بفتح اللام وقرأ ابن عباس ويحيى بن أبي كثير والضحال {مِلكين} بكسر اللام، ويؤيد هذه القراءة قوله في آية أخرى {وملك لا يبلى} [طه: 120].
قال القاضي أبو محمد: وقال بعض الناس: يخرج من هذه الألفاظ أن الملائكة أفضل من البشر وهي مسألة اختلف الناس فيها وتمسك كل فريق بظواهر من الشريعة والفضل بيد الله، وقال ابن فورك: لا حجة في هذه الآية لأنه يحتمل أن يريد ملكين في أن لا تكون لهما شهوة في طعام. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {فوسوس لهما الشيطان}
قيل: إن الوسوسة: إخفاء الصوت، قال ابن فارس: الوسواس: صوت الحلي، ومنه وسواس الشيطان.
و{لهما} بمعنى إليهما، {ليبدي لهما} أي: ليظهر لهما {ما ووري عنهما} أي: ستر.
وقيل: إن لام {ليبدي} لام العاقبة؛ وذلك أن عاقبة الوسوسة أدت إلى ظهور عورتهما، ولم تكن الوسوسة لظهورها.
قوله تعالى: {إلا أن تكونا ملَكين} قال الأخفش، والزجاج: معناه: ما نهاكما إلا كراهة أن تكونا ملَكَين.
وقال ابن الأنباري: المعنى: إلا أن لا تكونا، فاكتفى ب أن من لا فأسقطها.
فإن قيل: كيف انقاد آدم لإبليس، مستشرفًا إلى أن يكون ملكًا، وقد شاهد الملائكة ساجدة له؟ فعنه جوابان.
أحدهما: أنه عرف قربهم من الله، واجتماع أكثرهم حول عرشه، فاستشرف لذلك، قاله ابن الأنباري.
والثاني: أن المعنى: إلا أن تكونا طويلَي العمر مع الملائكة {أو تكونا من الخالدين} لا تموتان أبدًا، قاله أبو سليمان الدمشقي.
وقد روى يعلى بن حكيم عن ابن كثير: {أن تكونا ملِكين} بكسر اللام، وهي قراءة الزهري. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشيطان} أي إليهما.
قيل: داخل الجنة بإدخال الحية إياه.
وقيل: من خارج، بالسّلطنة التي جعلت له.
وقد مضى هذا في البقرة.
والوسوسة: الصوت الخفيّ.
والوَسْوَسَةُ: حديث النفس؛ يقال: وسوست إليه نفسُه وَسوسة ووِسواسًا بكسر الواو.
والوَسواس بالفتح: اسم؛ مثل الزَّلزال.
ويقال لهمس الصائد والكلاب وأصوات الحلى: وَسْوَاس.
قال الأعشى:
تَسْمعُ للحلى وَسَواسًا إذا انصرفت ** كما آستعانَ بريح عِشْرِقٌ زَجِلُ

والوسواس: اسم الشيطان؛ قال الله تعالى: {مِن شَرِّ الوسواس الخناس}.
{لِيُبْدِيَ لَهُمَا} أي ليظهر لهما.
واللام لام العاقبة؛ كما قال: {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا}.
وقيل: لام كي.
و{وُورِيَ} أي سُتر وغُطي عنهما.
ويجوز في غير القرآن أُورِيَ، مثل أُقِّتَتْ و{مِن سَوْءَاتِهِمَا} من عوراتها وسمي الفرج عورة لأن إظهاره يسوء صاحبه.
ودل هذا على قبح كشفها فقيل: إنما بدت سوءاتهما لهما لا لغيرهما؛ كان عليهما نَوْرٌ لا ترى عوراتهما فزال النور.
وقيل: ثوب؛ فتهافت، والله أعلم.
{إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ} {أن} في موضع نصب، بمعنى إلا، كراهيةَ أن؛ فحذف المضاف.
هذا قول البصريين.
والكوفيون يقولون: لئلا تكونا.
وقيل: أي إلا ألاّ تكونا ملكين تعلمان الخير والشر.
وقيل: طِمع آدم في الخلود؛ لأنه علم أن الملائكة لا يموتون إلى يوم القيامة.
قال النحاس: وبيّن الله عز وجل فضل الملائكة على جميع الخلق في غير موضع من القرآن؛ فمنها هذا، وهو {إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ}.
ومنه {وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ} [هود: 31].
ومنه {وَلاَ الملائكة المقربون} [النساء: 172].
وقال الحسن: فضل الله الملائكة بالصور والأجنحة والكرامة.
وقال غيره: فضلهم جل وعز بالطاعة وترك المعصية؛ فلهذا يقع التفضيل في كل شيء.
وقال ابن فُورك.
لا حجة في هذه الآية؛ لأنه يحتمل أن يريد مَلكيْن في ألاّ يكون لهما شهوة في طعام.
واختيار ابن عباس والزجاج وكثير من العلماء تفضيل المؤمنين على الملائكة؛ وقد مضى في البقرة.
وقال الكلبيّ: فضلوا على الخلائق كلهم، غير طائفة من الملائكة: جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت؛ لأنهم من جملة رُسُل الله.
وتمسّك كل فريق بظواهر من الشريعة، والفضل بيد الله.
وقرأ ابن عباس {مَلِكين} بكسر اللام، وهي قراءة يحيى بن أبي كثير والضحاك.
وأنكر أبو عمرو بن العلاء كسر اللام وقال: لم يكن قبل آدم صلى الله عليه وسلم ملِك فيصيرا ملكين.
قال النحاس: ويجوز على هذه القراءة إسكان اللام، ولا يجوز على هذه القراءة الأولى لخفة الفتحة.
قال ابن عباس: أتاهما الملعون من جهة الملك؛ ولهذا قال: {هَلْ أَدُلُّكَ على شَجَرَةِ الخلد وَمُلْكٍ لاَّ يبلى} [طه: 120].
وزعم أبو عبيد أن احتجاج يحيى بن أبي كثير بقوله: {ومُلْكٍ لاَ يبلى} حجة بينة، ولكن الناس على تركها فلهذا تركناها.
قال النحاس: {إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ} قراءة شاذّة.
وقد أنكر على أبي عبيد هذا الكلام، وجُعِل من الخطأ الفاحش.
وهل يجوز أن يتوهم آدم عليه السلام أنه يصل إلى أكثر من ملك الجنة؛ وهي غاية الطالبين.
وإنما معنى {وَمُلْكٍ لاَّ يبلى} المقام في ملك الجنة، والخلود فيه. اهـ.